قره داغ
جددت التنقيبات الأثرية، التي أجريت على موقعي جردي قلا ولوغاردان في غرب كردستان بالقرب من شمشمال (محافظة السليمانية)، معرفتنا للتطور الثقافي لشمال بلاد الرافدين مابين العصر الحجري النحاسي والفترات الإسلامية
كشف موقعي جردي قلا ولوغاردان عن آثار مهمة من فترة أوروك (الألف الرابع قبل الميلاد)، وعصر البرونز القديم (الألف الثالث قبل الميلاد)، وكذلك بدايات الفترة الهلنستية (القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد). وسمحا أيضاً بفهم أفضل للتبادل بين الحضارات وكذلك عملية التحضر في منطقة تقع في قلب الشرق الأدنى.
معطيات جديدة حول انتشار ثقافة أوروك
اكتشفت في سفح التل الرئيسي جردي قلا، ومنذ موسم التنقيب الأول مساحة لإنتاج الفخار الجنوبي الرافدي (من نمط فخار أوروك)، وقد أرخ هذا الاكتشاف من خلال تحليل الفخار بحوالي ٣٩٠٠ قبل الميلاد (فترة أوروك القديمة). أكدت مواسم التنقيب التالية أهمية وقدم الاستيطان الأوروكي في غرب قره داغ. تم تمييز قرية صغيرة من فترة أوروك الوسطى (حوالي عشرة مستويات استيطانية فوق الأرض البكر) على بعد بضع مئات من الأمتار من تل جردي قلا الرئيسي. بينما اكتشف أكروبول أوروكي (من الفترتين القديمة والوسطى) في الجزء العلوي من موقع لوغاردان (على ارتفاع ٣٠ مترًا) يتم الوصول إليه بواسطة منحدر حجري.
قلعة من بداية الألف الثالث
بعد ثغرة زمنية، أعيد استيطان موقع لوغاردان حوالي عام ٢٨٠٠ قبل الميلاد، وعلى أنقاض مباني أوروك القديمة بنيت قلعة صغيرة في الجزء العلوي من الموقع وتعود لفترة السلالة القديمة الثالثة (حوالي ٢٦٠٠ قبل الميلاد)، ويدل هذا البناء على سيطرة قوة قريبة ما على لوجاردان، نظراً للموقع الاستراتيجي لها (تشرف على ممر بازيان) وللمنطقة التي تعبرها طرق التجارة الرئيسية في الألف الثالث.
مركز حرفي مهم من نهاية الألف الثالث
هدمت قلعة لوجاردان وتحول الموقع لإنتاج الفخار في حوالي ٢٣٠٠ قبل الميلاد أي مع الغزو الأكادي، وحتى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد (أور الثالثة). وتم اكتشاف ١٤٧ فرناً ضمن أربعة مستويات استيطانية متتالية، قدمت خصائص تقنية لم تكن معروفة حتى تلك اللحظة، بأبعاد رائعة (يصل قطرها إلى ٨ أمتار)، والتي تصور لنا المهارة التقنية وروح الإبداع لدى الحرفيين في الألف الثالث.
فترة استيطان طويلة
سمحت التنقيبات في موقع جردي قلا بتحديد فترة استيطان أطول وأحدث. وفي أعلى التل كشفت الحفرية التي أجراها الزملاء من جامعة لييج (لوران كولونا ديستريا) عن قلعة إسلامية صغيرة تم استيطانها حتى الفترة الأيوبية، وكذلك مدخل لمنزل ساساني كبير تم تعديله عدة مرات، ويقع تحته مبنى هلنستي كبير مزود بجدران قوية من الطوب الخام، محفوظ على ارتفاع أكثر من ١ متر ومغطى بعدة طبقات من الجص الدقيق. هو مبنى رسمي ربما يكون مقر إقامة أحد حكام المنطقة الأوائل، حيث تشير المواد الفخارية ذات الجودة العالية إلى فترة استيطان عائدة إلى أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث قبل الميلاد.
فريق التنقيب
تشكلت البعثة الأثرية الفرنسية في غرب قره داغ في ربيع عام ٢٠١٤ تحت إشراف ريجيس فاليه (CNRS-IFPO)، وعملت بالتعاون مع علماء الآثار من قسم الآثار بجامعة السليمانية. تلقت البعثة دعماً من وزارة الشؤون الخارجية والأوربية بناءً على توصيات اللجنة الاستشارية للبحوث الأثرية في الخارج. وتلقت أيضاً دعماً من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (IFPO)، والقسم الثقافي في السفارة الفرنسية في العراق، وجامعة لييج (بلجيكا)، وجامعة باريس ١، ومن المركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS). يضم فريق التنقيب حالياً حوالي عشرين باحثا ومهندسا من فرنسا وبلجيكا وإيطاليا والعراق.
تعد مكافحة السرقة والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية إحدى أولويات وزارة الثقافة، التي تولي اهتماماً كبيراً بجميع هذه الإشكاليات، لا سيما من خلال دورها السيادي في الرقابة على تداول الممتلكات الثقافية.